كمال حسين إغبارية السّاخر السّاخط السّانح* في "حفنة سراب" من النثر

زياد شليوط – شفاعمرو – الجليل

أهداني المربي والشاعر والكاتب المعروف كمال حسين إغبارية، أثناء زيارتي له بصحبة صديقي الكاتب محمد علي سعيد، في قريته مصمص في المثلث الشمالي كتابه النثري "حفنة سراب"(1)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات قصيرة ساخرة بغالبيتها، وهي مقالات ناقدة، هادفة، مباشرة تارة ومبطّنة تارة أخرى، تشير إلى مكامن الضعف والسلبيات في مجتمعنا، حيث يضع مجتمعنا وهيئاته المختلفة على طاولة التشريح، ويعمل فيها نقدا ولسعا وتهكما بهدف إصلاحها وتقويمها، ومن شدّة غيرته على مجتمعه وشعبه فهو يقسو عليهما بالنقد كي يحقق هدفه الاصلاحي والتقويمي.

 

أول ما يثير القاريء هو عنوان الكتاب "حفنة سراب" ويدعمه بلوحة فنية تمثل الصحراء وتبرز في أسفل اللوحة كف يد ممدودة وهو مفتوح فارغ، فاللوحة تكمل العنوان الكلامي، لأنه من المعروف أن السراب تعبير يرتبط بالصحراء وهو رؤية جسم من بعيد في الصحراء وعندما تقترب منه تكتشف أنه سرابا أي فراغا، وهذا يؤكد أيضا ما جاء في مقالات الكتاب، حيث يرى الكاتب أن حياتنا بكل جوانبها السياسية والاجتماعية والدينية والتربوية وغيرها باتت سرابا، ولا تأتي بنتيجة أو فائدة وباتت الحالة ميؤوسة كما يعبر في العديد من المقالات صراحة وخاصة في حال الأمة الميؤوس منه، والذي سنتناوله في هذه المراجعة.

السخرية السوداء في حفنة سراب وصلت حد اليأس

تبرز في مقالات الكتاب كما أشرت حالة اليأس والإحباط التي وصلها الكاتب من حال أمته وإمكانية إصلاحها، ولجوؤه إلى الأسلوب الساخر يؤكد ذلك فالسخرية سلاح، كما يرى الكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور وهو "سلاح من أسلحة الفقراء، والمظلومون يلجأون له في أوقات الشدّة، والاستبداد، وانغلاق الآفاق، وتجبر الحكام، فالسخرية إذا سلاح مقاومة".

وكاتبنا كمال يستخدم السخرية في كتابه تعبيرا عن انغلاق الآفاق، فنراه محبطا من إمكانية اصلاح حال الأمة، فيقول فيها "إن أي محاولة لإصلاح هذه الأمة عبثية فاشلة" (ص 45). وفي موقع آخر "نحن – العرب- بأغلبيتنا الساحقة لم نرتق بعد إلى مستوى "إنسان"!" (ص 69). ويضيف في موقع ثالث " لسنا اليوم خير أمة. بالعكس، نحن شرّ أمة! (ص 96)

وأكثر ما يغيظ الكاتب تنازل العرب عن مدينة القدس بكل ما ترمز إليه، ونراه يحمل أدوات الشاعر العراقي الساخط مظفر النواب، ليجلد بها ليس الزعماء فقط بل عموم أبناء الأمة الذين سمحوا باغتصاب القدس، إلى الحد الذي يوجه فيه دعوة لزفاف "السبيّة الفلسطينية المُغتصبَة" وهي القدس على "مغتصبها ابن الكرام، من شعب الله المختار" ويدعى يعقوب (ص 38).

وفي مقال آخر يعكس حالة الاحباط من عدم تحقيق ما صبونا اليه في شبابنا، أو تحقيق ذلك من خلال الأجيال القادمة "فاذا جلّها هواء هباء وطبول منفوخة جوفاء"(ص84).

في مقالة "بالعامية" (ص 94) يوجه الكاتب نقدا قاسيا ضد استغلال يوم الأرض من قبل بعض تجاره، يرفض فيه الزيف والتمثيل المفضوح، لذا يعلنها صراحة "أنا ضد يوم الأرض"! وهو يقصد اليوم المزيف ليوم الأرض، الذي يمارس فيه الكذب واللعب والتنازل عن معاني يوم الأرض الحقيقية والنضالية. وفي مقالته "القيادة القوّادة" (ص 123) يسخر من اللجان العربية عندنا فيطلق نعت "لجنة المطاقعة" على لجنة المتابعة و"لجنة شقاق" على لجنة الوفاق.

القلق المشروع على اللغة العربية ومستقبلها

كون الأستاذ كمال من عشاق اللغة ومساهما في تربية أجيال عديدة على حب اللغة من خلال عمله في التدريس وكذلك الإرشاد، فانه يخوض في هذا الموضوع بجرأة ومعرفة، وهو صاحب الباع الطويل في هذا الموضوع والخبرة العميقة، ويعالج الموضوع من باب القلق على واقع اللغة ومستقبلها في ظل ما نشهده من تراجع في مكانتها سواء من قبل السلطة أو من قبل "ذوي القربى".

ينتقد الكاتب ظاهرة تعدد وكثرة مجامع اللغة العربية في عالمنا العربي والتي تصل الى 14 مجمعا، وبناء عليه يطرح عدة أسئلة عن جدوى ذلك ومدى خدمته للغة، ويختمها بالسؤال "أليست هذه المجامع هي الخطر الحقيقي على اللغة العربية؟" (ص 60).

ويعود لمناقشة جهل المعلمين بمصطلحات في اللغة مثل "دلالة الألفاظ" ويقدم بعض الاقتراحات العملية في الموضوع خاصة وأن "هناك إهمال شبه تام في المناهج وعند مدرسي اللغة العربية لموضوع دلالات الألفاظ". (ص 206). وينطلق الى الوضع المأساوي للغتنا ومرة أخرى يتهم مجامع اللغة وهذه المرة في ديارنا، فيعرض الى انقسام مجمع اللغة الذي نشأ بداية في حيفا ويتهم القائمين على رعاية اللغة بأنهم هم أعداؤها (ص 208)، لذا يقترح الكاتب الغاء مجامع اللغة وانشاء لجنة مستقلة للعمل على انقاذ اللغة من ضياعها وبالتالي ضياع الهوية.

مهاجمة مدعي الدين والمتاجرين فيه

لا يوفر الكاتب نقده في تجار الدين الذين يتباهون بالقشور والمظاهر بدل أن يعتنوا بالجوهر ومعاني الدين الحقيقية، كما فعل في مقالة "رمضانيات: أخلاقيات إنسانية" (ص 86). وفي مقالة "أحقا هذه إرادة الله؟!" (ص 105 -107)، حيث يناقش أصحاب مقولة "هذه إرادة الله" الذين يحيلون أسباب تخلفنا وتراجعنا وكل ما نعانيه الى إرادة الله، ويناقشهم الكاتب في ذلك طارحا الأسئلة التي تدعو للتفكير والتمحيص ويستنتج بأن "الله لم يقل لنا ذلك"، وما لجوء الغالبية الى ترداد تلك المقولة الا لأننا "بارعون في شيء واحد: نخلق الشمّاعة التي نعلّق عليها "قرفنا"".

وفي (ص 152) ينتقد بناء الجوامع في بلداتنا بكثرة وخاصة في المثلث، بينما لا يهتم ذوي الشأن ببناء مستشفيات ويطالب الكاتب بفتوى تجيز مشروعية الصلاة "خلف إمام فضّلَ الولاء للسلطان على كل ولاء" (ص 153). وفي (ص 156) يسخر من أولئك المنتظرين الدخول الى الجنة للفوز بالحوريات!

 

أساليب فنية في خدمة أهداف السخرية

استخدم الكاتب الأساليب الفنية في مقالاته وأهمها استخدام السجع وخاصة في عناوين المقالات، ليخدم مراده من السخرية على نحو: " فن "التضريط" على مقام التفريط" (ص 5)، "الترقيع والتركيع" (ص 8 )، "قوّادون لا قياديون" (ص 130) "العبوا عليها!ّ بسّ لا تلعبوا فيها" (ص 169)، "رحلة بني خيبان في بلاد اليابان!" (ص 171)، "الواقع المأساوي للغة العربيّة: المجامع اللغويّة" (ص 207)، وفي عناوين ساخرة أخرى لجأ إلى التلاعب في دلالات العنوان وتحريف مراده من خلال تعديل كلماته، على نحو: "السّلطة ... والسّلَطَة" (ص 24)، "أمجاد يا عرب أمجاد" (ص 76)، "جوز إمي بقولو عمي" (ص 100)، "ن. ص. ر" (ص 149)، "خير أمة" (ص 174)، "مش ناقص إلا تدخني" (ص 189)، "توم وجيري" (ص 203).

لم أهدف من هذه المراجعة إلى التوقف عند كل ما احتواه الكتاب، أو عند كل الأساليب الفنية التي استخدمها الكاتب، لأن ذلك يحتاج إلى دراسة موسعة، انما هدفت إلى القاء أضواء على الكتاب وتقديم مراجعة متواضعة له، علّها تساهم في تبيان بعض ما تضمنه الكتاب، وتحض على قراءته لما يحمله من آراء هامة ونقد بنّاء وأسلوب ساخر أخّاذ، وختاما أتمنى لكاتبنا الأستاذ كمال حسين إغبارية كل التوفيق والمزيد من العطاء الأدبي والفكري.

 

· السانح الذي يأتي من جانب اليمين والعرب تتيمّن به.

1- كمال حسين إغبارية، حفنة سراب- نثر، طبعة أولى 2022، مؤسسة أنصار الضاد – أم الفحم.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم